تجلس أم سامر في حمامات إحدى المنشآت الترفيهية الخاصة بدوام 12 ساعة لقاء تعديل راتبها إلى 10000 ليرة مطلع الشهر القادم...

ضيق الحال هو ما دفع أم سامر في البداية للعمل كخادمة في المنازل، لكن تواتر العمل وسوء المعاملة التي تلقاها دفعاها للاستماتة لإيجاد عمل ثابت مهما كان الراتب!


تقول أم سامر "بعد وفاة زوجي منذ خمس سنوات تنكر ولدي الكبيرين لي ورفضا تقديم أي مساعدة فعلمت أنني لن أتمكن من العيش إلا بعرق جبيني" تمسح دمعة انهمرت رغم إرادتها وتتابع "كم تعبت أنا ووالدهم لنربيهم لكنني الآن وحيدة أنا وابنتي الصغيرة التي لا تعرف القراءة ولا الكتابة ولاتخرج من المنزل أبداً".

ساعات العمل الطويلة تتخللها استراحة لنصف ساعة تصعد فيها أم سامر من الطابق "-1" إلى الطابق "0" لتتناول وجبة الغداء الوحيدة على حساب المنشأة، لكن أم سامر تقول "أكاد أختنق في الحمامات التي أعمل فيها من روائح مواد التنظيف وعدم وجود أي شباك أو منفذ هوائي أتمكن التنفس من خلاله وأحياناً أشتاق لضوء الشمس..".

رغم الشروط القاسية تبدو أم سامر راضية بعملها دون أن تدرك ما هي شروط العمل الإنسانية وحقوقها فهي تدرك فقط واجباتها المنوطة "بتهديدات بالطرد بحال التأخر عن العمل أو الغياب المبرر وغير المبرر".



بعيداً عن كل شيء

في الطرف الآخر من مدينة دمشق(كفر بطنا) تعمل هالة وصباح في معمل لتعبئة الكلور بعيداً عن شروط الوقاية الصحية وبعيداً عن أية ظروف إنسانية للعمل فكانت النتيجة أن تكون عينا كل من هالة وصباح بلون أحمر دموي، سعال دائم من الصدر وحروق ظاهرة على الكفين والقدمين وأغلب الأماكن التي تظهر خلال العمل نتيجة ملامسة الكلور لتلك المناطق...

بداوم 9 ساعات تبقى كل من هالة وصباح عرضة "للكلور" وجهاً لوجه دون أية وسيلة وقائية لحمايتهما من المواد الطائرة الحارقة المنبعثة ، وتصف هالة طريقة العمل "ندخل إلى هنغار متوسط الحجم فيه طاولتين على كل واحدة منهما خزان كبير له حنفية نجلس بقربها ونقوم بتعبئة العبوة يدوياً واحدة ثم الأخرى".

ولدى سؤالنا عن وجود وسائل حماية لهما من ملابس مخصصة أو أحذية فما كان منهما إلا أن ابتسمتا بوجهي باستغراب "نافيتين وجود أي عامل حماية لهما".

وتهرباً من تسجيلهما بالتأمينات "أمر مدير المعمل الفتيات بالقول في حال قدوم التفتيش أنهن تعملن لمدة خمسة عشر يوم فقط ثم يأتي غيرهن لمدة 15 في عملية تتابعية".



ليس الفقر فقط...

ليس فقر الحال السبب الوحيد للقبول بشروط عمل مجحفة، محمد (29عام) مدير في إحدى الوسائل الترفيهية، وقّع على عقد عمل إلى جانب الاستقالة وبراءة الذمة، وعن هذا يقول محمد "لدى توقيعي العقد مع الشركة التي أعمل فيها الآن صُدمت بإرفاق ورقة للإستقالة مع العقد كي أوقعهما سوية! ولدى اعتراضي لمديرة الموارد البشرية ابتسمت باقتضاب قائلة أن هذا هو الموجود وإن لم يعجبني فهناك الكثر من الذين ينتظرون فرصة العمل هذه... والحقيقة أنني أملك الكثير من الالتزامات وقد تعبت على نفسي كثيراً لأنال الشهادات التي أحملها ولكن الحياة وفرص العمل القليلة دفعتني لابتلاع كافة اعتراضاتي والرضوخ لتوقيع عقد العمل والاستقالة وبراءة الذمة معاً".



لا متابعة... لا تطبيق... وغياب للكادر التفتيشي

التقت سيريانيوز أمين شؤون العمل في نقابة العمال، أحمد حسن، الذي أكد "رضى اتحاد العمال عن قانون العمل الجديد مؤكداً أنه ولغاية الآن لم يتم التكيف معه من قبل الاتحاد ولا من قبل أرباب العمل كونه جديد".

وتحدث حسن عن "صعوبة تطبيق القانون والتي تكمن في أن من سيطبقه هم المفتشون، ووزارة الشؤون لم تؤمن ولغاية الآن الكادر التفتيشي اللازم لتطبيق القانون، فعدد المفتشين في سوريا كلها حوالي الـ 40 مفتشاً ، وكل قانون لم تتم متابعته من الجهة المشرفة لن يطبق".

وعن إجبار الشركات الموظفين على توقيع استقالة مسبقة مع عقد العمل قال حسن"الاستقالة يجب توقيعها على ثلاث نسخ تذهب واحدة منها إلى رب العمل والثانية إلى العامل و الثالثة للتأمينات في وزارة الشؤون، والاستقالة لا تقدم إلا من قبل العامل حصراً إلى التأمينات وللعامل حق العودة عن استقالته خلال أسبوع" مشيراً إلى أن "القانون ينص على هذا لكن كيف يطبق فهذا شأن مديرية شؤون العمل"!.

أما عن الجهل الذي يعيشه العمال بأغلب ما يتعلق بحقوقهم، وعن حاجتهم لحملة توعية لحقوقهم وواجباتهم كونهم العنصر الأهم في معادلة العمل أكد حسن على "ضرورة وجود حملات توعية للعمال".

وأرجع حسن تهرب بعض الشركات من تسجيل العمال في التأمينات إلى "الحاجة للتعاون بين ثلاثة أطراف هم العامل، رب العمل والجهة الحكومية والذين ولغاية الآن لم يتعاونوا بشكل كامل بسبب عدم وجود الكادر التفتيشي".



70 مفتشاً لأكثر من 600 ألف منشئة خاصة حول سوريا!

وأكد مدير شؤون العمل في وزارة الشؤون الاجتماعية، ركان ابراهيم، في لقاء لسيريانيوز معه "أحد أهم أبواب قانون العمل الجديد هو الضابطة العدلية التي تقوم بمهمة تطبيق مواد القانون وتنفيذ العقوبات، ومن يكون في الضابطة العدلية يجب أن تتوفر فيه شروط محددة من حملة الشهادات الجامعية باختصاصات محددة"

وفيما يتعلق بعدد المفتشين الحاليين ومدى فاعليتهم لتطبيق القانون وضبط المنشآت الخاصة قال ابراهيم" عدد المفتشين حاليا لا يتجاوز الـ70 مفتش لأكثر من 600 ألف منشأة قطاع خاص في سوريا" مشيراً إلى أنه"تم إحداث ملاكات خاصة لتقتيش العمل، وتم وضع مرسوم خاص بملاكات المفتشين بعد تقدير الاحتياجات في كل محافظة ليتناسب مع عدد السكان وعدد المنشآت".

وعن الوقت المتوقع لتعيين المفتشين الجدد قال ابراهيم"نحن كوزارة علينا إعداد المرسوم ورفعه إلى رئاسة مجلس الوزراء، وهذا المرسوم يحتاج إلى شهر ليصدر عن الوزارة وأتوقع أن يصدر في منتصف العام لسد النقص في عدد المفتشين"

وقال ابراهيم "لا يمر يوم واحد دون وصول 4 إلى 5 شكاوي عن الشركات الخاصة حيث يتم تحويلها إلى مديرية العمل وفق اختصاصها المكاني لتطبيق القانون" مشيراً إلى أنه "من واجبات المفتش والمحظورات عليه عدم الإفشاء باسم مقدم الشكوى وإلا سيتعرض للمساءلة القانونية"

وعلى امتداد الفترة اللازمة لتأمين الكوادر المناسبة وتوظيفها لضمان تنفيذ قانون العمل الجديد ستبقى ام سامر ، هالة وصباح وغيرهم الكثير من العمال والموظفين بعيدين عن نيل حقوقهم المادية والانسانية ، ولا يسعنا الا ان ننقل امنيات هؤلاء بان "يتحقق هذا في القريب العاجل".

مشكوووووووووووورعلى المواضيع المفيدة تقبل مروري